الرئيسية » » خياط القلوب | ضيا حميو

خياط القلوب | ضيا حميو

Written By Unknown on الاثنين، 22 يونيو 2015 | 1:09 ص

خياط القلوب
يتذكر سيدةً نرويجيةً علّمته ان لا يسكبَ الكونياك الا بكأسِهِ.
كأسُهُ الفارغةُ، توزّعُ برودتَها فيه، ومن ثم تهدأُ البرودةُ رويدا رويدا.
الكؤوس ُالصغيرةُ التي احبَها، ولحظاتُ دِفئِها في راحةِ كفّه فارغةً، واستغراقُها هناك.
الوصيةُ النرويجية أخبرته: " أنْ يحتضِنَ الكأسَ براحتيه لدقائقَ قبل أن يحتسي مكنونَها، يتعشَّق بحرارتها، ومن ثمّ يشمُّ نكهتها بعمقٍ - أشبه بتوحدٍ يُهيّءُ حاسةَ الذوقِ مسبقا- بعدها يذوبان ببعضهما البعض..".
تمنّى لو أنّه تعلّمَ هذه الصنعة مبكرا، قبل أن ينفطّر قلبُه بجرعاتِ الحبٍّ..!.
بعدها توالتْ وتناغمتْ جرعاتُ الحبِّ والرحيل.
انفطر القلبُ، وفاتَ الآوان!،
ومهنةُ " خيّاط الزجاج " نادرةٌ، فكيف بخياط للقلوب..!،
خصوصا بعد أن سَهُلَ استبدالُ القلوبِ المفطورةِ باخرى جديدةٍ كلَّ مرّة، قلوبٌ فارغة لا تحمل الذكريات.
لا خيارَ لديه سوى أن يحبَّ قلبَهُ العتيق هذا، الذي لايقوى على استبداله، حاملا فيه كلَّ تلكَ الأسماء ووجوهَها الحلوة، بخرائط تُطرِّزهُ من إبرٍ وخيوطٍ كوشمٍ بدائيٍ نافرٍ، ولكنه حقيقيٌ.
يتنقّلُ في المدن والبلدان، تابعا أثَرَ " خياطٍ للقلوب المفطورة "،
سيغدو الأمرُ اصعبَ، كلما تقدّم فيّ العمر.
وسوف تنقرضُ المهنةُ يوما، بعدها ينفطرُ القلبُ للمرةِ الأخيرة، يرقبُهُ يتداعى ويتفتّتُ في التربة
قد يستغرقُ تحلُله الألفَ عام.
وعزاؤه بهذه الألفِ من الأعوام، بأملِ ناسٍ وأوطانٍ لا تُفطِر القلوبَ يوما.




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.